Google


الـ 8 من أبريل ذكرى مدرسة بحر البقر كنت - شاهد عيان على تلك الحادثة

محمد عبدالباقي




كان عمري من عمرهم ..
كان درسي درسهم ..
صبيحة ذلك اليوم المشئوم وأنا أخطو الخطوات الأولى من طفولتي ...
لملمت دفاتري .. وأقلامي ..
وحزمت حقيبتي المدرسية ..
وقبَّلتُ يد أمي ووجهها الوضيء ..
وخرجتُ تحوطني دعواتها الطاهرة ..
وما لبثنا غير قليل ..
حتى سمعنا الأزيز الرهيب للطائرات الحربية التي تطير على ارتفاع منخفض ..
وما هي إلا لحظات حتى سمعنا أصوات انفجارات في مكان قريب ، بدت أثاره على زجاج نوافذ فصولنا الدراسية
وبعد قليل ..
صدرت تعليمات لنا من معلمينا ومن مدير المدرسة أن ننصرف إلى منازلنا ..!!
وفي طريق عودتنا شاهدت بأم عيني الجرارات الزراعية ، وبعض السيارات الخاصة، وسيارات الإسعاف ، تحمل جثثاً لأطفال صغار ، وبقايا من لحم ، وعظم ، وأعضاء بشرية محترقة ، وكان مشهداً مرعباً بالنسبة لي وأنا أنظر إليه وإلى الدماء التي كانت تسيل بشدة من تلك السيارات والجرارات على الإسفلت مشكلة أنهاراً من الدماء الغزيرة !!
وأنا لاأدري ما الخطب ..!!
لم أشعر إلا بذراعي أبي الحبيب تلتقطني وتحيطني وتهدئ من روعي
سألته وأنا أرتجف : ما الخطب يا أبتي ؟؟؟
أجابني :
أن الطائرات الحربية الإسرائيلية قد قصفت مدرسة بحر البقر الابتدائية المجاورة لمدينتنا ( الحسينية )
سألته : لماذا وماهي جريرتهم ؟؟!!!
لم أتلق إجابة من شفاه أبي ولكنني قرأت الإجابة في عينيه وفي دموعه
ثم تحولت مدينتنا الصغيرة الهادئة إلى بؤرة صاخبة ، يتدفق إليها المراسلون الصحفيون ، ووكالات الأنباء العالمية ، ووسائل الإعلام المختلفة ، والفنانون ، والساسة الكبار، وأعضاء المنظمات الحقوقية الدولية ... فهاهو رئيس الجمهورية جمال عبدالناصر ، ومن هذا ؟؟!!
- إنه محمد أنورالسادات ( نائب رئيس الجمهورية )، وهذه أم كلثوم ، وتلك نجاة الصغيرة ، وهاهو فؤاد محيي الدين ، وهذا هو . .فلان .. وفلان...!!!!
تسائلت لماذا كل هؤلاء المشاهير هنا - و الذين لا نشاهدهم إلا عبر التلفاز –...؟؟!!
ولكنني لم أتلق إجابة كاملة !!
وصرت أرقبهم عن قرب ، وليس لديّ تفسير كامل لكل ما أرى ..!!

ومرت بعض الأعوام ، ورافقني في صفوفي الدراسية بعض الأطفال الناجين من تلك المذبحة ، صاروا أصدقائي ،كانوا يحملون على أجسادهم سجلاً لا يكذب ، ولا يجيب بإجابات منقوصة ، كانت التشوهات التي تركتها تلك المجزرة على أجسادهم ،سجلاً ودليلاً دامغاً ، على ان الإجرام الصهيو أمريكي لا مبرر له ولا ضابط له ، ولا حدود له ، كانت تلك التشوهات في أجسادهم ، تجيب بإجابات كاملة على كل تساؤلاتي القديمة ...
أن تلك الطهمة الباغية ليست خطراً علينا وحدنا ..
بل خطر داهم على الإنسانية جمعاء .


ليست هناك تعليقات: